فصل: (سورة الأنبياء: الآيات 76- 77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأنبياء: آية 71]:

{وَنَجَّيْناهُ وَلُوطًا إِلَى الأرض الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (71)}.
نجيا من العراق إلى الشام. وبركاته الواصلة إلى العالمين: أن أكثر الأنبياء عليهم السلام بعثوا فيه فانتشرت في العالمين شرائعهم وآثارهم الدينية وهي البركات الحقيقية. وقيل: بارك اللّه فيه بكثرة الماء والشجر والثمر والخصب وطيب عيش الغنىّ والفقير. وعن سفيان أنه خرج إلى الشام فقيل له: إلى أين؟ فقال: إلى بلد يملأ فيه الجراب بدرهم. وقيل: ما من ماء عذب إلا وينبع أصله من تحت الصخرة التي ببيت المقدس. وروى أنه نزل بفلسطين، ولوط بالمؤتفكة وأخرجه أبو سعيد عبد بن حميد عن أبى النضر نحوه بتمامه وأخرجه الخطيب أبو بكر محمد بن أحمد ابن محمد المقدسي المعروف بابن الواسطي في كتاب فضل بيت المقدس من طريق آدم ابن أبى إياس عن أبى جعفر الرازي، بلفظ في قوله تعالى {إِلَى الأرض الَّتِي بارَكْنا فِيها} قال: من بركتها أن كل ماء عذب يخرج من أصل صخرة بيت المقدس. وأخرج الخطيب المذكور من طريق غالب بن عبد اللّه عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة رفعه «الأنهار كلها والسحاب والبحار والرياح من تحت صخرة بيت المقدس» وغالب متروك. وبينهما مسيرة يوم وليلة.

.[سورة الأنبياء: آية 72]:

{وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًا جَعَلْنا صالِحِينَ (72)}.
النافلة: ولد الولد. وقيل: سأل إسحاق فأعطيه، وأعطى يعقوب نافلة، أى: زيادة وفضلا من غير سؤال.

.[سورة الأنبياء: آية 73]:

{وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (73)}.
{يَهْدُونَ بِأَمْرِنا} فيه أن من صلح ليكون قدوة في دين اللّه فالهداية محتومة عليه مأمور هو بها من جهة اللّه، ليس له أن يخل بها ويتثاقل عنها، وأوّل ذلك أن يهتدى بنفسه، لأنّ الانتفاع بهداه أعم، والنفوس إلى الاقتداء بالمهدى أميل {فِعْلَ الْخَيْراتِ} أصله أن تفعل الخيرات، ثم فعلا الخيرات، ثم فعل الخيرات. وكذلك إقام الصلاة وإيتاء الزكاة.

.[سورة الأنبياء: الآيات 74- 75]:

{وَلُوطًا آتَيْناهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)}.
{حُكْمًا} حكمة وهو ما يجب فعله. أو فصلا بين الخصوم. وقيل: هو النبوّة. والقرية: سذوم، أى: في أهل رحمتنا. أو في الجنة. ومنه الحديث: «هذه رحمتي أرحم بها من أشاء».

.[سورة الأنبياء: الآيات 76- 77]:

{وَنُوحًا إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (77)}.
مِنْ قَبْلُ من قبل هؤلاء المذكورين.
هو نصر الذي مطاوعه انتصر وسمعت هذليا يدعو على سارق: اللهم انصرهم منه، أى: اجعلهم منتصرين منه. والكرب: الطوفان وما كان فيه من تكذيب قومه.

.[سورة الأنبياء: الآيات 78- 80]:

{وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًا آتَيْنا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (80)}.
أى: واذكرهما. وإذ: بدل منهما. والنفش: الانتشار بالليل. وجمع الضمير لأنه أرادهما والمتحاكمين إليهما. وقرئ: {لحكمهما}. والضمير في فَفَهَّمْناها للحكومة أو الفتوى. وقرئ: {فأفهمناها}. حكم داود بالغنم لصاحب الحرث. فقال سليمان عليه السلام وهو ابن إحدى عشرة سنة: غير هذا أرفق بالفريقين، فعزم عليه ليحكمنّ، فقال: أرى أن تدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأولادها وأصوافها، والحرث إلى أرباب الشاء يقومون عليه حتى يعود كهيئته يوم أفسد، ثم يترادّان. فقال: القضاء ما قضيت، وأمضى الحكم بذلك. فإن قلت: أحكما بوحي أم باجتهاد؟ قلت: حكما جميعا بالوحي، إلا أن حكومة داود نسخت بحكومة سليمان. وقيل: اجتهدا جميعا، فجاء اجتهاد سليمان عليه السلام أشبه بالصواب. فإن قلت: ما وجه كل واحدة من الحكومتين؟ قلت: أمّا وجه حكومة داود عليه السلام، فلأن الضرر لما وقع بالغنم سلمت بجنايتها إلى المجنى عليه، كما قال أبو حنيفة رضى اللّه عنه في العبد إذا جنى على النفس: يدفعه المولى بذلك أو يفديه. وعند الشافعي رضى اللّه عنه: يبيعه في ذلك أو يفديه. ولعل قيمة الغنم كانت على قدر النقصان في الحرث. ووجه حكومة سليمان عليه السلام أنه جعل الانتفاع بالغنم بإزاء ما فات من الانتفاع بالحرث، من غير أن يزول ملك المالك عن الغنم، وأوجب على صاحب الغنم أن يعمل في الحرث حتى يزول الضرر والنقصان، مثاله ما قال أصحاب الشافعي فيمن غصب عبدا فأبق من يده: أنه يضمن القيمة فينتفع بها المغصوب منه بإزاء ما فوّته الغاصب من منافع العبد، فإذا ظهر ترادّا، فإن قلت: فلو وقعت هذه الواقعة في شريعتنا ما حكمها؟ قلت: أبو حنيفة وأصحابه رضى اللّه عنهم لا يرون فيه ضمانا بالليل أو بالنهار، إلا أن يكون مع البهيمة سائق أو قائد والشافعي رضى اللّه عنه يوجب الضمان بالليل. وفي قوله: {فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ} دليل على أنّ الأصوب كان مع سليمان عليه السلام. وفي قوله: {وَكُلًّا آتَيْنا حُكْمًا وَعِلْمًا} دليل على أنهما جميعا كانا على الصواب {يُسَبِّحْنَ} حال بمعنى مسبحات. أو استئناف، كأن قائلا قال: كيف سخرهنّ؟ فقال: يسبحن وَالطَّيْرَ إمّا معطوف على الجبال، أو مفعول معه. فإن قلت: لم قدمت الجبال على الطير؟ قلت: لأنّ تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدلّ على القدرة وأدخل في الإعجاز، لأنها جماد والطير حيوان، إلا أنه غير ناطق. روى أنه كان يمرّ بالجبال مسبحا وهي تجاوبه. وقيل: كانت تسير معه حيث سار. فإن قلت: كيف تنطق الجبال وتسبح؟ قلت. بأن يخلق اللّه فيها الكلام كما خلقه في الشجرة حين كلم موسى. وجواب آخر: وهو أن يسبح من رآها تسير بتسيير اللّه، فلما حملت على التسبيح وصفت به {وَكُنَّا فاعِلِينَ} أى قادرين على أن نفعل هذا وإن كان عجبا عندكم وقيل: وكنا نفعل بالأنبياء مثل ذلك.
اللبوس: اللباس. قال:
البس لكلّ حالة لبوسها

والمراد الدرع. قال قتادة: كانت صفائح فأوّل من سردها وحلقها داود، فجمعت الخفة والتحصين {لِتُحْصِنَكُمْ} قرئ بالنون والياء والتاء، وتخفيف الصاد وتشديدها، فالنون للّه عز وجل، والتاء للصنعة أو للبوس على تأويل الدرع، والياء لداود أو للبوس.
إما اللبس المستقيم أو المنعكس. والمأمور باللبس ليس معنا. والبؤس بالهمز: الشدة، قلبت همزته هنا واوا لتناسب القافية. وبين لبوس وبوس: الجناس الناقص.

.[سورة الأنبياء: الآيات 81- 82]:

{وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الأرض الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (82)}.
قرئ: {الريح} {والرياح} بالرفع والنصب فيهما، فالرفع على الابتداء، والنصب على العطف على الجبال. فإن قلت: وصفت هذه الرياح بالعصف تارة وبالرخاوة أخرى، فما التوفيق بينهما؟ قلت: كانت في نفسها رخية طيبة كالنسيم، فإذا مرت بكرسيه أبعدت به في مدة يسيرة، على ما قال: {غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ} فكان جمعها بين الأمرين أن تكون رخاء في نفسها وعاصفة في عملها، مع طاعتها لسليمان وهبوبها على حسب ما يريد ويحتكم: آية إلى آية ومعجزة إلى معجزة. وقيل كانت في وقت رخاء، وفي وقت عاصفا، لهبوبها على حكم إرادته، وقد أحاط علمنا بكل شيء فنجري الأشياء كلها على ما يقتضيه علمنا وحكمتنا.
أى: يغوصون له في البحار فيستخرجون الجواهر، ويتجاوزون ذلك إلى الأعمال والمهن وبناء المدائن والقصور واختراع الصنائع العجيبة، كما قال: {يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ} واللّه حافظهم أن يزيغوا عن أمره، أو يبدلوا أو يغيروا، أو يوجد منهم فساد في الجملة فيما هم مسخرون فيه. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ولقد آتينا إبراهيم رشده} أي صلاحه وهداه {من قبل} أي من قبل موسى وهرون، وقيل من قبل البلوغ وهو حين خرج من السرب وهو صغير {وكنا به عالمين} أي إنه من أهل الهداية والنبوة {إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل} يعني الصور والأصنام {التي أنتم له عاكفون} أي مقيمون على عبادتها {قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين} أي فاقتدينا بهم {قال} يعني إبراهيم {لقد كنتم أنتم وآباءكم في ضلال مبين} أي في خطأ بين بعبادتكم إياها {قالوا أجئتنا بالحق} أي بالصدق {أم أنت من اللاعبين} يعنون أجاد أنت فيما تقول أم أنت لاعب {قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن} أي خلقهن {وأنا على ذلكم من الشاهدين} أي على أنه الإله الذي يستحق العبادة، وقيل شاهد على أنه خالق السموات والأرض {وتالله لأكيدن أصنامكم} أي لأمكرن بها {بعد أن تولوا مدبرين} أي منطلقين إلى عيدكم، قيل إنما قال إبراهيم هذا القول سرًّا في نفسه، ولم يسمع ذلك إلا رجل واحد من قومه فأفشاه عليه، وهو القائل إنا سمعنا فتى يذكرهم، وقيل كان لهم في كل سنة مجمع وعيد فكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها ثم رجعوا إلى منازلهم فلما كان ذلك العيد قال أبو إبراهيم يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا فخرج معه إبراهيم، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه إلى الأرض وقال إني سقيم أشتكي رجلي فتركوه ومضوا، فنادى في آخرهم وقد بقي ضعفاء الناس تالله لأكيدن أصنامكم فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة وهن في بهو عظيم، ومستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه صنم أصغر منه والأصنام جنبها إلى جنب بعض كل صنم الذي يليه أصغر منه وهكذا إلى باب البهو، وإذا هم قد جعلوا طعامًا بين يدي الآلهة وقالوا إذا رجعنا وقد بركت الآلهة عليه أكلنا منه، فلما نظر إبراهيم إليهم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال لهم على طريق الاستهزاء {ألا تأكلون} فلما لم يجيبوه {ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربًا باليمين} وجعل يكسرهن بفأس في يده حتى إذا لم يبق إلا الصنم العظيم، علق الفأس في عنقه، وقيل في يده ثم خرج.
قوله تعالى: {فجعلهم جذاذًا} أي كسرًّا وقطعًا {إلا كبيرًا لهم} أي تركه ولم يسكره ووضع الفأس في عنقه، ثم خرج وقيل ربطه على يده وكانت اثنين وسبعين صنامًا بعضها من ذهب وبعضها من فضة وبعضها من حديد وبعضها من نحاس ورصاص وحجر وخشب وكان الصنم الكبير من الذهب مكللًا بالجواهر في عينيه ياقوتتان تتقدان وقوله: {لعلهم إليه يرجعون} قيل معناه يرجعون إلى إبراهيم وإلى دينه وما يدعوهم إليه إذا علموا ضعف الآلهة وعجزها وقيل معناه لعلهم يرجعون إلى الصنم فيسألونه ما لهؤلاء تكسروا وأنت صحيح والفأس في عنقك، فلما رجع القوم من عيدهم إلى بيت آلهتهم ورأوا أصنام مكسرة {قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين} أي في تكسيرها واجترائه عليها {قالوا سمعنا فتى يذكرهم} أي يسبهم ويعيبهم {يقال له إبراهيم} أي هو الذي نظن أنه صنع هذا فبلغ ذلك نمرود الجبار وأشراف قومه {قالوا فأتوا به على أعين الناس} أي جيئوا به ظاهرًا بمرأى الناس وإنما قاله نمرود {لعلهم يشهدون} أي عليه بأنه الذي فعل ذلك كرهوا أن يأخذوه بغير بنية وقيل معناه لعلهم يحضرون عذابه وما يصنع به فلما أتوا به {قالوا} له {أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال} يعني إبراهيم {بل فعله كبيرهم هذا} غضب أن تعبدون معه هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرهن وأراد إبراهيم بذلك إقامة الحجة عليهم فذلك قوله: {فاسألوهم إن كانوا ينطقون} أي حتى يخبروا بمن فعل ذلك بهم، وقيل: معناه إن قدروا على النطق قدروا على الفعل فأراهم عجزهم عن النطق وفي ضمنه أنا فعلت ذلك ق عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ثنتين منهن في ذات الله قوله إني سقيم وقوله: فعله كبيرهم هذا، وقوله لسارة: هذه أختي» لفظ الترمذي قيل في قوله: {إني سقيم} أي: سأسقم وقيل: سقيم القلب مغتم بضلالتكم.
وأما قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} فإنه علق خبره بشرط نطقه كأنه قال: إن كان ينطق فهو على طريق التبكيت لقومه وقوله لسارة: هذه أختي، أي في الدين والإيمان قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} فكل هذه الألفاظ صدق في نفسها ليس فيها كذب.
فإن قلت: قد سماها النبي صلى الله عليه وسلم كذبات بقوله: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات» وقال في حديث الشفاعة ويذكر كذباته.
قلت: معناه أنه لم يتكلم بكلام صورته صورة الكذب، وإن كان حقًّا في الباطن إلا هذه الكلمات ولما كان مفهوم ظاهرها خلاف باطنها أشفق إبراهيم منها بمؤاخذته بها قال البغوي: وهذه التأويلات لنفي الكذب عن إبراهيم والأولى هو الأول للحديث، ويجوز أن يكون الله أذن له في ذلك لقصد الصلاح وتوبيخهم والاحتجاج عليهم، كما أذن ليوسف حين أمر مناديه فقال: أيتها العير إنكم لسارقون ولم يكونوا سرقوا قال الإمام فخر الدين الرازي: وهذا القول مرغوب عنه، والدليل القاطع عليه أنه لو جاز أن يكذب لمصلحة ويأذن الله فيه فلنجوز هذا الاحتمال في كل ما أخبر الأنبياء عنه، وذلك يبطل الوثوق بالشرائع ويطرق التهمة إلى كلها، الحديث محمول على المعاريض، فإنه فيها مندوحة عن الكذب.
وقوله: {فرجعوا إلى أنفسهم} يعني تفكروا بقلوبهم ورجعوا إلى عقولهم {فقالوا} ما نراه إلا كما قال: {إنكم أنتم الظالمون} يعني بعبادتكم ما لا يتكلم وقيل معناه أنتم الظالمون لهذا الرجل في سؤالكم إياهـ. وهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها {ثم نكسوا على رؤوسهم} قال أهل التفسير أجرى الله الحق على ألسنتهم في القول الأول وهو إقرارهم على أنفسهم بالظلم ثم أدركتهم الشقاوة فرجعوا إلى حالهم الأولى وهو قوله: ثم نكسوا على رؤوسهم أي ردوا إلى الكفر وقالوا {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} يعني فكيف نسألهم، فلما اتجهت الحجة لإبراهيم عليهم {قال} لهم {أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئًا} يعني إن عبدتموه {ولا يضركم} يعني إن تركتم عبادته {أف لكم} يعني تبًا لكم {ولما تعبدون من دون الله} والمعنى أنه حقرهم وحقر معبودهم {أفلا تعقلون} يعني أليس لكم عقل تعقلون به أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة؟ فلما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب {قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم} يعني أنكم لا تنصرونها إلا بتحريق إبراهيم لأنه يعيبها ويطعن فيها {إن كنتم فاعلين} يعني ناصرين آلهتكم.
قال ابن عمر: الذي قال هذا رجل من الأكراد قيل اسمه هيزن فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
وقيل: قاله نمرود بن كنعان بن سنحاريب بن نمرود بن كوش بن حام بن نوح.